تُعد المسؤولية الجزائية في القانون الأردني من الركائز الأساسية لتحقيق العدالة ومحاسبة مرتكبي الأفعال المجرَّمة قانوناً.
ويُطرح هنا سؤال جوهري: ما المقصود بالمسؤولية الجزائية؟ تُعرَّف بأنها التزام قانوني يتحمّله من ارتكب فعلاً يُجرّمه القانون.
ويتطلّب تحققها توفّر شروط تحقق المسؤولية الجزائية مثل التمييز والإدراك والقصد الجرمي.
وتتعدّد صورها بين الفردية والجماعية، وتُفرض كذلك المسؤولية الجزائية على الشركات في الأردن عند مخالفة الأنظمة.
ويُتاح في بعض الحالات الإعفاء من المسؤولية الجزائية أو تخفيفها. وتترتّب عليها العقوبات الجزائية التي تختلف بحسب نوع الجريمة وظروف ارتكابها.
سنعرض في هذا المقال هذه المفاهيم بشكل مبسّط ومنظّم.
اتصل بنا الآن بالنقر على زر الوتس أب أسفل الشاشة
جدول المحتويات
ما المقصود بالمسؤولية الجزائية في القانون الأردني؟
تُعد المسؤولية الجزائية التزامًا قانونيًا يتحمّله من ارتكب فعلاً يُجرّمه القانون، ويقوم هذا المفهوم على ركنين أساسيين الفعل المجرَّم، والقصد أو الإدراك المتحقق لحظة ارتكابه.
لا يكفي أن يقع الفعل، بل يجب أن يُقترن بعنصر نفسي أو ذهني يجعل الفاعل يستحق الجزاء.
وتقوم المسؤولية الجزائية على العناصر الآتية:
- ارتكاب فعل منصوص عليه في القانون باعتباره جريمة.
- توافر القصد الجرمي أو الخطأ الذي يُحمّل الفاعل التبعة.
- ارتباط النتيجة بالفعل ارتباطًا سببيًا لا لبس فيه.
بهذه الصورة، تُمثّل المسؤولية الجزائية أداة لضبط السلوك المجتمعي وحماية الحقوق.
شروط تحقق المسؤولية الجزائية
لا تتحقّق المسؤولية الجزائية إلا بتوافر شروط جوهرية تُحدّدها النصوص التشريعية والفقه القضائي، وأبرزها:
- ارتكاب الفعل عن وعي وإرادة: فلا يُسأل جزائياً من ارتكب فعلاً في غياب الإدراك أو تحت تأثير الإكراه.
- توفر الأهلية القانونية: لا تُقام المسؤولية على فاقد التمييز كالصغير أو المجنون أو من يعاني من عاهة عقلية.
- تحقق الركن المادي والمعنوي للجريمة: يجب أن يتوافر السلوك الإجرامي المقترن بالقصد الجنائي أو ما يعادله في جرائم الخطأ.
- عدم وجود مانع قانوني: مثل موانع العقاب أو الإباحة أو أسباب التبرير.
بتحقّق هذه الشروط، تُبنى المسؤولية الجزائية ويُبرَّر التدخّل العقابي بحق الفاعل.
أنواع المسؤولية الجزائية في القانون الأردني
تنقسم المسؤولية الجزائية في التشريع الأردني إلى أنواع متعددة بحسب صفة الجهة التي تُسند إليها، وطبيعة المشاركة أو العلاقة بالفعل الإجرامي. ويُظهر هذا التنوع مدى شمولية النظام الجزائي الأردني في مساءلة مختلف الفاعلين، مع مراعاة طبيعتهم القانونية والعملية. وفيما يلي تفصيل لأبرز هذه الأنواع:
1. المسؤولية الجزائية للفرد الطبيعي
تُشكّل هذه الصورة القاعدة الأصلية في تطبيق العقوبة، حيث تُفرض المسؤولية على الشخص الطبيعي الذي يرتكب فعلاً يُعدّ جريمة وفقاً لنص القانون، شريطة أن تتوافر فيه الأهلية الجزائية.
وتتحقق هذه المسؤولية عند توافر الشروط التالية:
- أن يكون الفاعل متمتعاً بالأهلية العقلية والقانونية وقت ارتكاب الفعل.
- أن يرتكب الفعل بإرادة حرة ووعي سليم.
- أن يكون الفعل مُجرَّماً قانوناً ومقروناً بالقصد أو الخطأ الجزائي.
وتُراعى في هذه المسؤولية شخصية الفاعل وظروفه، تطبيقاً لمبدأ شخصية العقوبة، ولا يجوز معاقبة غير المسؤول أو من لا يتوافر فيه التمييز والإدراك.
2. المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
أقرّ المشرّع الأردني صراحةً مسؤولية الشخص المعنوي (مثل الشركات والمؤسسات الخاصة) عن الأفعال التي تُرتكب من قِبل ممثليه أو إداراته متى كانت لحسابه أو باسمه.
ولا تتحقق هذه المسؤولية إلا بشروط معيّنة، من أبرزها:
- ارتكاب الجريمة من قبل شخص ذي صفة تمثيلية داخل الكيان المعنوي.
- أن يكون الفعل قد تم لصالح الشخص المعنوي أو باسمه أو باستخدام وسائله.
- أن تكون الجريمة من النوع الذي يمكن أن يتساءل عنه الشخص المعنوي (مثل الجرائم الاقتصادية، البيئية، والضريبية).
وتُفرض العقوبات المناسبة لطبيعة الشخص المعنوي، كالغرامة أو المصادرة، ويُستثنى من العقوبات التي لا يمكن تطبيقها على الكيانات مثل الحبس.
3. المسؤولية الجزائية التشاركية (المشتركة)
تتحقق هذه المسؤولية عندما يشترك أكثر من شخص في ارتكاب الجريمة، سواء عبر التنفيذ المباشر أو تقديم المساعدة أو التحريض.
ويُقسّم القانون الأردني هذه المسؤولية إلى فئات:
- الفاعل الأصلي: من يرتكب الجريمة مباشرة.
- الشريك: من يساهم بفعل يُسهم في وقوع الجريمة (كالتمويل أو التسهيل).
- المحرّض: من يدفع غيره إلى ارتكاب الفعل عبر التأثير النفسي أو المعنوي.
ويُحاسب كل شريك أو محرّض وفقاً لمدى مساهمته ودرجة مسؤوليته، وقد تُطبّق عليه نفس عقوبة الفاعل الأصلي إذا ثبت تساوي الأثر الجنائي.
4. المسؤولية الجزائية التبعية
تنشأ هذه المسؤولية في حالات خاصّة يُحمَّل فيها شخص مسؤولية فعل ارتكبه غيره، بسبب صلة قانونية أو مسؤولية إشرافية.
ومثالها:
- مسؤولية الوليّ أو الوصي عن أفعال القاصر إذا ثبت إهماله أو تفريطه.
- مسؤولية ربّ العمل عن أعمال تابعيه إذا ارتكبت الجريمة أثناء أداء الوظيفة وباسم المؤسسة.
- مسؤولية المدير المفوّض عن الجرائم الناشئة عن قرارات إدارية خالفت التشريعات.
ولا تُطبق هذه المسؤولية إلا وفق نص قانوني صريح، وبما لا يُخالف مبدأ شخصية العقوبة إلا بالقدر الذي يُبرره واجب الرقابة أو الصلة القانونية المفترضة.
المسؤولية الجزائية للشركات في الأردن
اعتمد المشرّع الأردني مبدأ مساءلة الشركات جزائياً لضمان محاسبة الكيانات الاقتصادية التي ترتكب جرائم باسمها أو لمصلحتها، منعاً لاستغلال الشخصية المعنوية للإفلات من العقاب.
وتتحقق المسؤولية فقط إذا ارتُكبت الجريمة ضمن نشاط الشركة أو باستخدام مواردها. وتُطبّق عليها عقوبات تتناسب مع طبيعتها دون المساس بحرية الأفراد.
وتتحقق هذه المسؤولية في الحالات التالية:
- ارتكاب الفعل الجُرمي باسم الشركة أو لصالحها المباشر.
- صدور الفعل عن مدير أو عضو مفوض يملك صلاحية التمثيل القانوني.
- استخدام موارد الشركة أو أدواتها في تنفيذ الجريمة.
- تحقق مصلحة مادية أو معنوية للشركة من الفعل.
- صدور قرار إداري أو توجيه من مجلس الإدارة يؤدي إلى ارتكاب الجريمة.
الإعفاء من المسؤولية الجزائية أو تخفيفها
يُقرّ القانون الأردني حالات تتيح إعفاء الجاني كلياً من العقوبة أو تخفيفها مراعاةً للعدالة الإنسانية والظروف الخاصة التي تحيط بالفعل.
ويهدف هذا النظام إلى تحقيق التوازن بين الردع العام والرحمة القضائية عند انتفاء الإرادة أو ضعف المسؤولية الأخلاقية.
وتُطبّق هذه الحالات في الظروف الآتية:
- فقدان الإدراك أو الإرادة بسبب الجنون أو العاهة العقلية.
- ارتكاب الفعل تحت الإكراه المادي أو المعنوي الذي لا يمكن مقاومته.
- ارتكاب الجريمة دفاعاً مشروعاً عن النفس أو الغير.
- صغر السن أو عدم بلوغ السن القانوني للمسؤولية.
- التعاون الفعّال مع الجهات القضائية لكشف الجريمة أو منع استمرارها.
العقوبات المترتبة على المسؤولية الجزائية
تُفرض العقوبات بعد تحقق المسؤولية الجزائية لتحقيق الردع والإصلاح لا الانتقام، مع مراعاة نوع الجريمة وشخصية الفاعل.
وتُقسم العقوبات إلى فئات تضمن عدالة التطبيق على الأفراد والشركات على حد سواء.
وتشمل العقوبات وفق القانون الأردني ما يلي:
- عقوبات أصلية: كالحبس، الأشغال الشاقة، أو الغرامة المالية.
- عقوبات تبعية: مثل الحرمان من الحقوق المدنية أو فقدان الوظيفة العامة.
- تدابير احترازية: تشمل الإيداع في مؤسسة علاجية أو فرض المراقبة القضائية.
- عقوبات الشركات (الأشخاص المعنويين): الغرامة، المصادرة، أو الإغلاق المؤقت.
- عقوبات تكميلية: كإزالة آثار الجريمة أو نشر الحكم على نفقة الجاني في بعض الحالات.
لا تتردد في سؤال محامي في الأردن إن كنت تواجه أي قضية جزائية في المحاكم الأردنية.
الأسئلة الشائعة حول المسؤولية الجزائية في القانون الأردني
تُشكّل المسؤولية الجزائية في القانون الأردني حجر الأساس لضمان سيادة القانون وحماية المجتمع من الأفعال المجرّمة، سواء صدرت من الأفراد أو الشركات.
وقد حدّد المشرّع الأردني بوضوح شروط تحقق هذه المسؤولية، وأنواعها، والعقوبات التي تترتب عليها، بما يُحقق التوازن بين العدالة والردع.
كما راعى المشرّع الحالات التي تستدعي الإعفاء أو التخفيف لأسباب إنسانية وقانونية، مما يعكس تطور النظام القانوني الأردني في مواكبة المبادئ الحديثة للمساءلة.
لذلك، إذا كنت بحاجة إلى فهم مسؤوليتك القانونية في موقف معيّن، أو كنت بصدد التعامل مع قضية جزائية، فإن الاستشارة القانونية المختصة تُعد خطوة ضرورية لتحديد موقفك بدقة وضمان حماية حقوقك.
لمعلومات إضافية ذات صلة اقرأ:
قانون التعاون الدولي في المسائل الجزائية بالأردن.
الاعتراض على الحكم الغيابي في الدعوى الجزائية في الأردن.
مدة الاستئناف في القضايا الجزائية في الأردن.
محمد جاسر الأتاسي؛ محامي ومستشار قانوني لامع. يحمل بكالوريوس في القانون وماجستير في القانون المدني وحاصل على شهادات في الشريعة والتحكيم.
نشر العديد من الأبحاث في أهم المواقع القانونية العالمية وينشر مقالاته بشكل دوري في الموقع الرسمي لمكتب الأتاسي للمحاماة والاستشارات القانونية.
يقدم الاستشارات القانونية في كافة القوانين الأردنية ويقوم بكتابة الطعون في الأحكام والاعتراض عليها. وصياغة العقود والمذكرات
